في حكم قيام رمضان



في حكم قيام رمضان
الحمد لله أحمده على الأمور كلها ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (آل عمران102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب 71)

وبعد:ـ أيها الأخوة الأعزاء
لقد شرع الله لعباده العبادات ونوَّعها لهم ليأخذوا من كل نوع منها بنصيب ، ولئلا يملوا من النوع الواحد فيتركوا العمل فيشقى الواحد منهم ويخيب ، وجعل منها فرائض لا يجوز النقص فيها ولا الإخلال ، ومنها نوافل يحصل بها زيادة التقرب إلى الله والإكمال .
* فمن ذلك الصلاة : فرض الله منها على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة خمسا في الفعل وخمسين في الميزان ، وندب الله إلى زيادة التطوع من الصلوات تكميلا لهذه الفرائض وزيادة في القُربى إليه ، فمن هذه النوافل الرواتب التابعة للصلوات المفروضة : ركعتان قبل صلاة الفجر ، وأربع ركعات قبل الظهر ، وركعتان بعدها ، وركعتان بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء ، ومنها صلاة الليل التي امتدح الله في كتابه القائمين بها فقال سبحانه : { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا } [ الفرقان : 64 ] ، وقال : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }{ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ السجدة : 16 ، 17 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) (رواه مسلم) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصِلُوا الأرحام ، وصَلُّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ) (رواه الترمذي) .
ومن صلاة الليل الوتر ، أقله ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة ، فيُوتِر بركعة مفردة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يوتر بواحدة فليفعل ) . (رواه أبو داود والنسائي) ، فإن أحب سردها بسلام أوتر بثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن , وإن أحب صلى ركعتين وسلم ثم صلى الثالثة لما روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يسلم بين الركعتين والركعة في الوتر حتى كان يأمر ببعض حاجته ، ويوتر بخمس فيسردها جميعا لا يجلس ولا يسلم إلا في آخرهن لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يوتر بخمس فليفعل ) (رواه أبو داود والنسائي) وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن  (متفق عليه)، ويوتر بسبع فيسردها كالخمس لقول أم سلمة رضي الله عنها : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام ) ( رواه أحمد والنسائي وابن ماجه) .
و( كان يصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ، ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ) (رواه أحمد ومسلم) ويصلي إحدى عشرة ركعة ، فإن أحب سلَّم من كل ركعتين وأوتر بواحدة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة ) (رواه الجماعة إلا الترمذي) ، وإن أحب صلى أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعا ) (يحتمل أن تكون الأربع بتسليم واحد وهو ظاهر اللفظ ، ويحتمل أن تكون بتسليم من كل ركعتين ، لكنه إذا صلى أربعا فصل ، ثم صلى أربعا كذلك ، وهذا هو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الليل مثنى مثنى )) ( فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا ، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثا ) (متفق عليه) وقال الفقهاء من الحنابلة والشافعية : يجوز في الوتر بإحدى عشرة أن يسردها بتشهد واحد أو بتشهدين في الأخيرة والتي قبلها

وصلاة الليل في رمضان لها فضيلة ومزية على غيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) . (متفق عليه) ومعنى قوله : " إيمانا " أي : إيمانا بالله وبما أعَدَّه من الثواب للقائمين ، ومعنى قوله : " احتسابا " أي : طلبا لثواب الله لم يحمله على ذلك رياء ولا سمعة ،
وقيام رمضان شامل للصلاة في أول الليل وآخره ، وعلى هذا فالتراويح من قيام رمضان ، فينبغي الحرص عليها والاعتناء بها واحتساب الأجر والثواب من الله عليها ، وما هي إلا ليالٍ معدودة ينتهزها المؤمن العاقل قبل فواتها ، وإنما سُمِّيَتْ تراويحَ لأن الناس كانوا يطيلونها جدا فكلما صلوا أربع ركعات استراحوا قليلا .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من سَنَّ الجماعة في صلاة التراويح في المسجد ، ثم تركها خوفا من أن تُفْرَض على أمته ، فعن عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة وصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة ، وكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح قال : " قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفْرَض عليكم » (متفق عليه) وذلك في رمضان . وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، ثم لم يقم بنا في السادسة ثم قام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل أي : نصفه ، فقلنا : يا رسول الله لو نَفَلْتَنَا بقية ليلتنا هذه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِبَ له قيام ليلة ) (رواه أهل السنن بسند صحيح) .
وأرجح الأقوال أنها إحدى عشرة أو ثلاث عشرة لِمَا رُوِيَ عن عائشة رضي الله عنها ( أنها سُئِلَتْ : كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت : ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة ) (متفق عليه) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة يعني من الليل ) (رواه البخاري) وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُبَيَّ بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة (رواه الإمام مالك في الموطأ) ،
وكان السلف الصالح يطيلونها ، ففي حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : كان القارئ يقرأ بالمئين يعني بمئات الآيات حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام ، وهذا خلاف ما عليه كثير من الناس اليوم حيث يصلون التراويح بسرعة رهيبة لا يأتون فيها بواجب الهدوء والطمأنينة التي هي ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونها ، فيخلون بهذا
الركن ويتعبون من خلفهم من الضعفاء والمرضى وكبار السن ، يجنون على أنفسهم ويجنون على غيرهم ،
 وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يُكْرَه للإمام أن يُسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يسن ، فكيف بسرعة تمنعهم فعل ما يجب ؟ نسأل الله السلامة .
ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينال ثوابها وأجرها , ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله ، ويجوز للنساء حضور التراويح في المسجد إذا أمنت الفتنة منهن وبهن لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) . (متفق عليه) ، ولأن هذا من عمل السلف الصالح رضي الله عنهم ، لكن يجب أن تأتي متسترة متحجبة غير متبرجة ولا متطيبة ولا رافعة صوتا ولا مبدية زينة لقوله تعالى : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } [ النور : 31 ] ، أي : لكن ما ظهر منها فلا يمكن إخفاؤه وهو الجلباب والعباءة ونحوهما ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ( لما أمر النساء بالخروج إلى الصلاة يوم العيد قالت أم عطية : يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب . قال : " لِتُلْبِسْهَا أختُها من جلبابها  ) (متفق عليه) والسنة للنساء أن يتأخرن عن الرجال ويبعدن عنهم ، ويبدأن بالصف المؤخَّر فالمؤخر عكس الرجال ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) (رواه مسلم) ، وينصرفن من المسجد فور تسليم الإمام ، ولا يتأخرن إلا لعذر  لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت :( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه وهو يمكث في مقامه يسيرا قبل أن يقوم ، قالت : نرى - والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال ) (رواه البخاري) .
اللهم هذا الشهر الذي أنزلت فيه القرآن وأنزلت فيه آيات بينات من الهدى والفرقان اللهم ارزقنا صيامه وأعنا على قيامه واجعلنا اللهم فيما تقضي من الأمر المحتوم وفيما تفرق من الأمر الحكيم في ليلة القدر من القضاء الذي لا يرد ولا يبدل أن تكتبنا من العتقاء من النار يارب العالمين
اللهم وفقنا لما وفقت القوم إليه ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خذي منى العفو تستديمي مودتي

تكريمه صلى الله عليه وسلم

الدعاء للطفل