الزكاة وأثرها في تحقيق التكافل الأجتماعي

الزكاة وأثرها في تحقيق التكافل الأجتماعي
الزكاة من أهم تشريعات الإسلام التي تدعم الحياة الإجتماعية و وتنشر فيها الأمن والاستقرار وتسهم في تحقيق التكافل الاجتماعي ، وتجسيد معاني التراحم و تنمية المجتمعات الإسلامية .
وتعد الزكاة جزء من نظام التكافل الاجتماعي في الإسلام، الذي يعتبره حق أساسي من حقوق الإنسان التي كفلها الله تعالى لعباده حيث قال:
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(التوبة)(103)
قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ (بها من ذنوبهم (وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)( أي : ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين . وقيل : تنمي أموالهم(وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)(أي : ادع لهم واستغفر لهم . وقيل : هو قول الساعي للمصدق إذا أخذ الصدقة منه : آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت والصلاة في اللغة : الدعاء
(إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (أي : إن دعاءك رحمة لهم . قاله ابن عباس . وقيل : طمأنينة لهم ، وسكون لهم ، أن الله عز وجل قد قبل منهم . وقال أبو عبيدة : تثبيت لقلوبهم . (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)  ويستحب للفقير أن يدعو للمعطي .
كما كان يدعوا النبي صلى الله عليه وسلم يعني يأخذ الصدقات منهم ويدعو لهم بالتوفيق والرحمة والخلف الجزيل، هذا معنى صلّ عليهم، يعني يدعو لهم بالبركة، بارك الله لكم، أثابكم الله، تقبل الله منكم، زادكم الله من فضله وما أشباه ذلك
وانظر إلى فضل المزكي عند الله عز وجل
*عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ - لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ - فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ) رواه مسلم .
معاني المفردات  بينا رجل : بينما رجل
بفلاة : الأرض الواسعة أو الصحراء
في حرة : هي الأرض التي تكثر بها الحجارة السوداء
شرجة من تلك الشراج : قنوات الماء
بمسحاته : أداة من أدوات الزراعة وهي المجرفة
تفاصيل القصّة
قد يبدو للناظرين إلى ظواهر الأمور أن يد الخير المبذولة إلى الفقراء ، والعطوفة على المساكين ، ما هي إلا صورة من تبديد الثروات ، وتضييع المدّخرات ، وسببٌ في نقص رؤوس الأموال .
تلك هي النظرة بالمقاييس المادّية المحضة ، ولكنّ الشريعة الإلهيّة تقول شيئاً آخر ، فالإنفاق وسيلةٌ لنماء المال ، وحلول البركة فيه ، كحال من يبذر الحبّة في الأرض ، سرعان ما تنمو وتكبر حتى تصبح شجرةً باسقة ، يانعةً مثمرة .
ولا يزال لطف الله بأوليائه وعباده المستبقين إلى الخيرات ، يصرف عنهم البلاء ، ويوسّع عليهم الأرزاق ، ويسوق إليهم الخيرات ، ويحظون بتوفيق الله وبنعمته ، ومن كان في كنف الإله ورعايته فأنّى له أن يضيع ؟ .
ومن دلالات القصّة أن الإنفاق على المحتاجين وتفريج كرب المسلمين هي تجارة عظيمة مع الله سبحانه وتعالى لا يخسر صاحبها أبداً ، لتفضّل الكريم سبحانه وتعالى على عباده المنفقين بالبركة والنماء ، والخُلف في المال ، وجعل الإنفاق سبباً من أسباب الرزق ، وشاهد ذلك قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ( سبأ : 39 ) ، وقوله في الحديث القدسيّ : ( يا بن آدم أَنفق أُنفق عليكمتفق عليه .
وفي الحديث
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا )
وفي القصّة أيضاً ، الإشارة إلى قيمة العمل ومكانته عند المسلم ، فالرّجل ما اعتزل الدنيا أو تركها وراء ظهره ، ولكنّه جدّ واجتهد ، وبذل الأسباب ، وسعى وراء الرّزق ، ثم تصدّق بماله ، وهذا هو حال الأمّة العاملة ، تبني وتشيد ، وتجد وتسعى ، حتى تنال مكانتها بين الأمم
وقال تعالى
( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )(134)(آل عمران)
ألم يعلم الأشرار دعاة القومية أن المسلمين كانت لهم بالإسلام عزة طأطأ الجبابرة لها جباههم ذلا وانكسارا وملكوا بها الشرق والغرب ودخل الناس في الإسلام أفواجا راهبين وراغبين فاغتبطوا به وفازوا في الدنيا والآخرة وأصبح المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وكانوا قلبا واحدا هدفهم واحد وتفكيرهم واحد وعبادتهم واحدة نشروا الإسلام رغبة في الأجر العظيم من الله لا حبا في التملك ولا رغبة في السيطرة حتى أدوا ما أوجبه الله عليهم من نشر دينه وقمع الفساد والمفسدين.
أثر الزكاة على المجتع المسلم
فمن ذلك ما جاء في قول الله تعالى (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ )(25)(المعارج)
وما جاء في قوله تعالى بالنسبة إلى زكاة الزروع والثمار في سورة (الأنعام) (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)
وما جاء في قوله تعالى في سورة (الروم) (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38))
فأي تكريم في الدنيا لذوي الحاجات اكثر من إثبات الحق لهم في أموال الواجدين؟
وقوله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً ) ، وفي الحديث الآخر (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) إلى آخره : هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض ، وحثهم على التراحم ، والملاطفة ، والتعاضد ، في غير إثم ،
فالزكاة في مفاهيم القرآن والسنة حق إلزامي في أموال الأغنياء، تتولى الدولة الإسلامية أخذه طوعاً أو كرهاً، وتتولى هي إقامة التكافل الاجتماعي عن طريقه، بالوسيلة التي تراها أنفع وأجدى.

وقد جرى على ذلك عمل الرسول وعمل الخلفاء الراشدين من بعده، ثم من تبعهم بإحسان، إذ كانت الدولة الإسلامية هي التي تتولى جمع الصدقات وتوزيعها على المستحقين، وكان يسمى موظف جباية الزكاة (مصدّقاً) .
والمجتمع هو الذي تتعمق فيه بالممارسة معاني الود والرحمة والإيثار والتضحية فالمسلمون في توادهم وتراحمهم جسد واحد ألف الله بين أعضائه بنعمته بعد أن كانوا أعداء وقد ضرب المسلمون الأوائل أروع الأمثلة في ممارسة التكافل الاجتماعي والإيثار مع الحاجة والتضحية في سبيل الغير فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ترسل إليهم الأموال الكثيرة فيوزعونها على المحتاجين وينسون أنفسهم وهم أحوج ما يكونون إليها وكانوا رحماء فيما بينهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خذي منى العفو تستديمي مودتي

تكريمه صلى الله عليه وسلم

الدعاء للطفل